دروس فس صفات الله واسماءة الحسنى

دروس في صفات الله واسمائة الحسنى

دروس في صفات الله وأسمائه الحسنى

مـقـــدمــــــــــة

تضـطرب القـلوب في الصـدور ، وتـشـكـو الآلام والسـقـام ، فـأخـذ أصـحابها يـبـحـثون

عـن العـلاج و تـنـقـلـوا هـابـطين في الأودية ، وصـاعـد ين الجـبـال ، وتـفـرقـوا في

مـسـالك الـدنـيـا طـالبـيـن سـعـادة قـلـوبـهـم ، فـذاق بـعـضـهم طـعـم ثـراء الأمـوال ،

و تـمـتـع آخـرون بـالأزواج والأولاد ...

وتـفـنـن غـيـرهـم في سـمـاع الأغـاني والمـوسـيقـى والرقـص و التـنـزه في منـاطق العـالـم ...

وأصـرآخـرون عـلى ما يـشـبـع عـواطـف ومـشـاعـر قـلـوبـهـم مـن عـشـق وغـرام ومـا لـزم ذلـك

مـن شـعـر الـغـزل ، والـلـهث وراء الـمـحـبـوب والـمـعـشـوق بـمـا لايـحـل ، وبـمـا تـفـنـى بـسـبـبـه

الأعـمـار ، بـل و تـنـفـق الأمـوال الطـائـلـة في الـحـرام ... كل ذلـك بـحـثـا ً عـن الـعـلاج وطـلـبـا ً

للـسـعـادة .. هـذا وكـلـهـم مـسـلـمـون يـشـهـدون بـشـهـادة التـوحـيـد ...

و مـنـهـم مـن حـاول طـرق بـاب الـدعـاء وإشـبـاع روحـه بـوصـلـهـا بربـهـا ولـكـنـه زل في البـدع

وتـعـبـد اللـه بـمـا لـم يـشـرعـه و دعـاه بـأسـمـاء وصـفـات لـم تـثـبـت لـه ... و غـلا بـتـحـريـم

الحـلال أو تـحـلـيـل الـحـرام وفـق الـهـوى ولا يـذعـن لـدلـيـل القـرآن والسـنـة ،

وقـد قـال اللـه تعـالى:

( ولا تـقـولـوا لـمـا تـصـف ألـسـنـتـكـم الـكـذب هـذا حـلال وهـذا حـرام لـتـفـتـروا عـلى اللـه الـكـذب )

نــعــم ...

لـقـد سـار هـؤلاء وأولـئـك وغـيـرهـم بـاحـثـيـن عـمـا تـسـعـد بـه أفـئـدتـهـم ، و لــكـنـهـم لـم يـصـلـوا

و هـذا أمـر طـبـيـعـي لأن الـقـلـوب هـنـا تـظــل عـطـشى لـمـن أودع فـيـهـا حـبـه ودوام الافـتـقــار

إلـيـه ، ولـم يـجـعـل طـريـقـا ً لـذلـك إلا عـلى مـنـهـج أقـوى الـبـشـر حـبـا ً لـربـه ، وأسـعـدهـم بـالـقـرب

مـن بـارئـه ومـولاه ، عـلى هـدي خـلـيـل الـرحـمـن محـمـد صـلى الله عـلـيـه وسـلـم .

و لا شـك أن الـحـب يـصـح ويـقـوى بـمـعـرفـة الـمـحـبـوب بـأسـمـائـه وصـفـاتـه معـرفـة صـحـيـحـة و

الـتـقـرب لـه بـهـا ،

ومـن هـنـا أحـبـبـت انـتـقــاء مـا تـيـسـر مـن مـنـهـج أهـل الـسـنـة والجـمـاعـة حـول مـعـاني أسـمـاء

اللـه تعالى وصـفـاتـه ،

و سـأبـدأ بـحـول الله تعـالى بـمـخـتـارات مـن ( ا لقـواعـد المـثـلى في صـفـات اللـه و أسـمـا ئـه

الـحـسـنى ) لـلـشـيـخ مـحـمد الصـالح العـثـيـمـيـن ، رحـمـه الله تعـالى .

فـمـا رأي الأخـوة والأخـوات ، مـع مـلاحـظـة أن الأمـر يـحـتـاج إلـى الـصـبـر كـثـيـرا ً .

و لا أدعـي الـعـلم ولـكـن سـأحـاول الاعـتـمـاد عـلى كـتـب أهـل السـنـة بـإذن الله العـلـيم .

( بسم الله الرحمن الرحيم )

= الـدرس الأول =

الـحـمد للـه الـذي لا تـطيـب الـدنـيـا بـدون ذكـره ، ولاتـطـيـب الآخـرة لـمـن حـجـب عـن رؤيـتـه ،

الـحـمـد للـه حـمـدا ً كـمـا يـلـيـق بـجـلال وجـهـه وعـظـيـم سـلـطـانـه ، والـصـلاة والـسـلام عـلى مـن

جـعـل اللـه لـه يـوم الـحـشـر مـقـامـا ً تـحـمـده الخـلائـق لايـفـوز بـه سـواه ، فـهـو أقـرب الـنـاس إلى

مـولاه ، صلى الله عـلى عـبـده وخـلـيـله مـحـمـد وعـلى آلـه وصـحـبـه ومـن اتـبـع هـداه ،

أمـا بـعـد ،

سـؤال قـد يـخـطـر بـالـذهـن إجـابـتـه نجـد بـعـضـهـا في سـطـور هـذه الصـفـحـة ؛ وهـو :

لـمـاذا الحـديـث عـن الأسـماء والصـفـات ، و مـاالثـمـرات لتعـلـمـها ؟

وللإجـابـة عـن لـمـاذا نـتـعـلـمـه ، نخـتـار أمـورا ً مـنـهـا :

1.. أبـدأ بـمـثـل ضـرب في كتاب ( الحـجـة في بيان المـحـجـة 1/123 ) قـال :

[ لـو أراد رجـل أن يـتـزوج إلى رجـل أو يـزوجـه أو يـعـامـلـه ، طـلب مـنـه أن يـعـرفـه اسـمـه و

كـنـيـتـه واسـم أبـيـه وجـده ، وسـأل عـن صـغـير أمـره وكـبـيـره ... فـاللـه الذي خـلـقـنـا ورزقـنـا ،

ونـحـن نـرجـوا رحـمـتـه ونـخـاف مـن سـخـطـه أولى أن نـعـرف أسـمـاءه وصـفـاته .. ]

2.. تـتـفـاوت الـعـلـوم في قـدرهـا بـحـسـب مـوضـوعـها ، فـشـرف كل عـلم تـابـع لشـرف المـعـلـوم

فـعـلم الـطـب أهـم مـن عـلـم الـزلازل لأن مـوضـوع عـلم الـطب الإنـسـان ، وعـلم الزلازل الـجـماد ،

و هـل يـشـك مـسـلـم أن أجـل مـعـلوم وأعـظـمـه وأكـبره هـو اللـه تعـالى الـمـوصوف بالكـمـال ،

المـنـزه عـن كل عـيـب ونـقـص ، وعـن كل تمـثـيل وتـشـبـيـه ؟ ومـن هـنا جاء شـرف علم الأسماء

والصفات.

3.. أنـه لاشـئ أطـيـب و لا ألـذ ولا أهـنـأ ولا أنـعـم لـلـقـلـب و عـيـش العـبـد مـن مـحـبـة اللــه سـبحانه

و كل مـن عـرف الله أحـبـه ، و كل مـن عـرف الدنـيـا وأهـلـهـا زهـد فـيـهـم .

وكل ماكان حـب الله أقـوى كانـت الـلـذة أعـظـم ، والحـب نـابـع مـن العـلم بالمـحـبـوب ومـعـرفـة

جـمـالـه الـظـاهـر والـبـاطـن .

فـإن أصـبـح كـثـيـر مـنـا يـشـكـو عـدم الخـشـوع ، و قـسـوة القـلـوب ، فـلـنـراجـع مـعـرفـتـنـا بـمـن

حـبـه غـذاء الـفـؤاد و مـصـدر حـيـاتـه ، و لـنــتـفـكـر في عـظـمـتـه مـن خـلال تـدبر آثـار الإيمان

بأسمائـه وصـفـاته في حـيـاتــنـا

4.. قـال تـعـالى ( ولا تـكـونـوا كالـذيـن نـسـوا اللـه فـأنـسـاهـم أنـفـسـهـم ) ، فـلـنـدع عـقـولـنـا تـتـأمـل

كـيـف أن مـن عـرف الله عـزوجل عـرف مـاسـواه ، ومـن جـهـل ربه فـهـو لـما سـواه أجـهـل ،

ومـن نـسـي ربـه أنـسـاه ذاتـه ونـفـسـه ، فـلـم يـعـرف حـقـيـقـتـه ولا مـصـالـحـه ، بـل يـنـسى ما فـيه

صـلاحـه في دنـيـاه وآخـرتـه . فـهـو مـشـتـت القـلـب حـيران .

و تـأمـلوا حـالنـا حـيـن نـشـعـر أحـيـانـا ً أنـنـا لانـفـهـم أنـفـسـنـا ، وأنـنـا نـحـتـار هـل مـا نـفـعـله

ونـتـخـذه مـن قـرارات قـد تـرضـي مـن حـولنا أو لاتـرضـيـهم صـواب أم خـطـأ ، هـل خـطـر ببـالـنـا

ونـحـن نـسـرف في الـذنـوب و نـغـفـل عـن المـسـارعـة بـالتـوبـة ، أن نـكـون تـعـرضـنـا لـلعـقـاب

بـنـسـيـان أنـفـسـنـا و حـرمـانـها مـن السـعـادة بـرضـوان بـارئـها ؟؟؟

5.. أن اللـه لـم يـجـعـل لـنا سـبـيـلا ً إلى مـعـرفـتـه عـن طـريـق رؤيـتـنـا لـذاتـه في الـدنيـا ، فـنـحـن

نـطـلـب الـتـعـرف إلـيـه مـن الـبـاب الـوحـيـد لـذلـك وهـو تـعـلـم الأسـمـاء والـصـفـات .

لـذلـك يـا أحـبـة ، فـإن القـلـب السـلـيـم لايـشـتـاق لـشئ أشـد مـن شـوقـه لـربـه ، ولايـفـرح بشئ من

اللـذائذ أعـظـم مـن فـرحـه بما يـقـربـه لـربـه ،

وكل ذلـك يـضـفـي عـلى الـقـلب والـروح والـنـفـس الـنـور والبـصـيـرة التـي يـشـفـى بها مـن

أمـراضه،وتـحـصـنـه مـن الشـبـهـات والـشـهـوات .

فـكـم نـحـتـاج في عـصـرنـا الـذي تـتـابـعـت فـيـه فـتـن الشـبـهات والشـهـوات في مـحـيـطـنـا إلى

الاسـتـمـتـاع بـالـعـودة إلى الله أرحـم الـراحـمـيـن .. الحـفـيـظ .. الـشـافي ..

ومـن هـو عـلى كل شئ قـدير .

6.. نـشـكـو كـثـيـرا ً مـن عـدم اسـتـشـعـار حـلاوة الـدعـاء والـمـنـاجـاة ، و لـعـل مـن أسـبـاب ذلك

جـهـلـنـا بـمـعـاني الأسـمـاء والصـفـات عـلى نـهـج السـلـف ، فـإن اللـه سـبـحـانه مـن أحـب الأشـيـاء

إلـيـه حـمـده والـثـنـاء عـلـيـه بأسـمـائه وصـفـاته وأفـعـاله .

7.. لا يـتـم الإيـمان إلا بـالإيـمـان بـها ، ولـو تـأمـلـنـا الـقـرآن الـكـريـم لـرأيـنـا أن مافـيـه مـن

ذكـرأسـماء الله تعـالى وصـفـاته وأفـعـاله أكـثـر مـن ذكـر الأكل والشـرب في الجـنـة .

و نجـد أن الآيـات التي تـتـضـمن أسـمائه وصـفـاته أعـظـم مـن التي تـتـحـدث عـن غـيرها ، فـمـثلا ً :

آيـة الـكـرسي أعـظـم أعـظـم آيـة في القـرآن وكـلـها أسـماء وصـفـات ، وكـذلـك سـورة الإخـلاص

ثـلـث الـقـرآن ، ومـن أحـبـهـا أحـبـه الله عـزوجـل ، لأنـهـا صـفـة الـرحـمـن .

8.. مـن سـبـل عـلاج الخـلـل في أخـلاقـنـا وعـلاقـاتـنـا الاجـتـمـاعـيـة ، أن نـسـعـى إلى الاتـصـاف

والتـحـلي بـمـا يـحـب الله تعـالى أن نـتـصـف بـه مـن صـفـاتـه عـلى الـوجـه الـلائـق بـنـا كـمـخـلـوقـيـن .

فـاللـه تعـالى كـريـم يـحـب الكـرمـاء .. رحـيـم يـحـب الرحـمـاء .. رفـيـق يـحـب الـرفـق .. حـلـيـم يـحـب

الـحلم.

9 .. الـعـلـم بـها يـهـز الـنـفـوس ، ويـحـرك القـلـوب ، ويـزيـل الأقـذار التي تـحـبـس الإنـسـان عـن

الخـيـر، و نـفـوسـنـا التي قـد تـهـفـوا إلى الـذنـوب ، إذا ذكـرت أن الله تـعـالى يـراهـا ،

و أنـها سـتـقـف بـيـن يـدي شـديـد العـقـاب تـقـف عـن مـعـصـتـها ، فـإن عـصـت أو أسـرفـت ثـم ذكـرت

سـعـة رحـمـتـه وغـنـاه لا تـيـأس أو تـتـمـادى في طـريـق الـتـعـاسـة ، بـل تـعـود إلى الـتـواب قـارعـة

بـابـه فـتـجـده ودودا ً مـجـيـبـا ً ،

و تـتـكـاثــر الـهـمـوم والـمـصـائـب ، فـلا يـجـزع ولا يـنـهـار أو يـسـعـى لقـتـل نـفـسـه ،

بـل يـلـجـأ إلى الحـصـن الـحـصـيـن ، و يـرضـى بـحـكـمـة الـحـكـيـم سـبـحـانـه ،

و يـواجـه أشـرارا ً يـحـاربـونـه ، و يـحـاولـون الاعـتـداء عـلى رزقـه ، فـيـنـجـيـه ويـريح نـفـسـه

يـقـيـنـاً بـأن الـله هـو الـرزاق وهـو الحـفـيـظ وهـو ااـحـي الذي لايـمـوت .

و خــتـامـا ً يـا أحـبـة ،

هـذه بـعـض فـضـائـل الإيـمان والعـلـم بالأسـمـاء والـصـفـات ، وأخـتـم بـهـذ ين البـيـتـين :

تـأمـــل سـطـور الكـائـنــات فـإنـهــا مـن الـمـلـك الأعـلـى إلـيـك رسـائـل

تـشـيـر بإثـبـات الـصـفـــات لـربـهـا فـصـامـتـهـا يـهـدي ومـن هـو قائـل

= الـمـرجـع [ شـرح أسماء الله تعـالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتاب والسنة/ د. حصة الصغـير- باختصار وتصرف].