كم مرّة نظرت إلى لوحة تجريدية قد يصفها الناس بالتحفة الفنيّة، فلم تستطع أن تفهم اللوحة ولم تميّز رأسها من ذيلها؟ لا داعي لأن تهتم أو تقلق، فهذا يحصل كثيرا. لكن عليك أن تتصالح أوّلا مع أهمية الفنّ التجريدي كي تستطيع أن تقدّره.
مصطلح التجريد مرتبط بكلّ عمل تشكيلي يمثّل أشياء لا يمكن التعرّف عليها. ما نستطيع التعرّف عليه عموما يُعرف بالرسم التمثيلي، أي تلك اللوحات التي تصوّر أشياء محدّدة يمكن التعرّف عليها وتمييزها. هذا النوع من الرسم من السهل فهمه لأن له تأثيرا علينا، كما أننا نتعرّف من خلاله على قدرة الفنّان ومن ثمّ تقدير الألوان والجماليات والنسَب التي وظّفها في لوحته.
لكن ماذا يحدث عندما نقف بمواجهة لوحة ليس فيها نِسَب ولا يمكن التعرّف عليها؟ هنا لا بدّ وأن تتعقّد الأمور أكثر. لكن، صدّق أو لا تصدّق، يمكنك أن تتعلّم لتستمتع بهذا النوع من الفنّ. والأمر يتعلّق بأن تفهم أين وكيف تنظر. فالفنّ التجريدي تطوّر تدريجيا من الفنّ التمثيلي على مدى عقود طويلة.
عندما تنظر إلى لوحة كلاسيكية ينتابك فورا إحساس سلبي أو ايجابي حيال الصورة. وما يجب أن تبحث عنه هو الإحساس والألوان والأشكال والخطوط والأنماط، وليس ما إذا كنت تعرف الأشياء أو الموضوع في اللوحة. وإذا درست لوحة قد لا تبدو واقعية إطلاقا، فإن اللوحة يمكن أن تصبح واقعية إذا نظرت إليها عن قرب وبذا تتكوّن لديك فكرة عن نوعية الإحساس أو الانفعال الذي كان الفنّان ينوي قوله من خلال الرسم.
وهناك في الحقيقة نوعان من الرسم التجريدي. الأوّل هو الرسم التجريدي الذي يحاكي أشياء مستمدّة من الطبيعة. والآخر عبارة عن تجريد خالص لا تجد فيه أيّ أشكال حقيقية يمكن التعرّف عليها. وعندما تنظر إلى لوحة من النوع الأخير خاصّة، لا يمكنك إلا أن تتساءل: ما الذي يُفترض أنها تعني؟ ولكي تقدّر هذا الشكل من الفنّ، يجب أن تأخذ اللوحة وتنظر إليها من وجهة مختلفة، أي من زاوية بيئة الفنّان وثقافته وحالته الذهنية.
في النهاية، يجب علينا أن ندرك أن الفنّ صالح لكلّ زمان ومكان. والجانب الجمالي والمبهج من الفنّ عموما هو أنه شخصي وخاصّ ويمكن تفسيره من قبل كل شخص تبعاً لحالته النفسية ووجهة نظره الخاصّة.
إن سرّ التقدير الحقيقي للفنّ التجريدي هو أن تدرس الفنّان مسبقا، وهذا سيعطيك فكرة أعمق عن اللوحة ككلّ. وإذا درست الفنّان، ستدهش لكمّية الأشياء التي يمكن أن تفصح عنها اللوحة. وهذا بدوره سيساعدك على أن تمسك بجوهر العمل الفنّي وتقدّره حقّ قدره. ليس من الحكمة في شيء أن نوقف اهتمامنا عند حدود الفنّ التمثيلي التقليدي. وعلينا أن نفهم أن الفنّ لا يجب أن تحدّه حدود لأنه يمثّل حرّية الفنّان، سواءً كان محترفا أم هاويا، في أن يعبّر عن مواقفه وانفعالاته بالأسلوب الذي يراه انسب من غيره. "مترجم".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] منقول