بين المثالية والواقعية

بين المثالية والواقعية!

في زمن طغت فيه الماديات والمصالح على أسمى المعاني والروابط وامتزج فيه الكذب بالصدق وطغت فيه الخيانة على الوفاء وعلا فيه الباطل على الحق بل وضاعت فيه القيم والمعاني وسط زحام الكلمات!

في زمن كهذا ... هل باتت المثالية ضربا من ضروب الجنون ؟!

وهل المثالية تعني «حمل السلم بالعرض «؟ وباتت تفتقد المرونة في التعامل مع مشاكل الحياة العملية مع عدم القدرة على التفاوض والوصول إلى الحلول الوسط؟.

وهل المثالي إنسان بسيط التفكير أي أنه حسم رؤيته للأمور على أنها أبيض أو أسود فقط وتجاهل تعقيدات اللون الرمادي وبقية الألوان؟!

المثالية هي النموذجية في التعامل والرقي في الأخلاق والحكمة في التصرف والأدب في الحديث أو محاولة الوصول لمرحلة الكمال قدر المستطاع - والكمال لله عز وجل وحده - هي الترفع عن المطالب الدنيوية للوصول إلى المثل والقيم السامية هي دفاع الشخص عن مبادئ يعتنقها ويتمسك بها ولا يتنازل عنها أمام أصعب الظروف باختصار هي منتهى كل شيء من القيم الروحية النبيلة!.

إن الإنسان المثالي في رأي أرسطو هو الذي لا يعرض نفسه بغير ضرورة للمخاطر ولكنه على استعداد أن يضحي بنفسه في الأزمات الكبيرة مدركا أن الحياة لا قيمة لها في ظروف معينة.

وهو يعمل على مساعدة الناس فذلك دليل التفوق والعلو ولكنه يرى العار في مساعدة الناس له لأن ذلك دليل التبعية وانحطاط المنزلة، هو لا يشترك في المظاهر العامة وينأى بنفسه عن التفاخر والتظاهر وهو صريح في كراهيته وميوله وقوله وفعله ولا يشعر بالغل والحقد أبدا يغفر الإساءة وينساها ولا يكترث للحديث ولا يبالي بمدح الناس له أو ذمهم لغيره لا يتكلم عن الآخرين حتى لو كانوا أعداء له، شجاعته رصينة، وصوته عميق، وكلامه موزون، لا تأخذه العجلة لان اهتمامه قاصر على أشياء قليلة فقط، يتحمل نوائب الحياة بكرامة وإجلال باذلا جهده قدر طاقته وظروفه كقائد عسكري بارع ينظم صفوفه، وهو أفضل صديق لنفسه هذا هو الإنسان المثالي في نظر أرسطو.

كثيرون يبحثون عن المثالية في تصرفات الآخر رغم أنهم يعانون نقصا حادا فيها، نعم من الجميل أن يعيش كل فرد بمثالية يحلم بها ولكن من المشين أن نتبناها بها ونحن نفقدها!

لا ادري هل يجب أن نتجنب أن نكون مثاليين حتى لا نصطدم في ردود أفعال من نعاملهم بمثاليه أم نظل على الدرب سائرين بمنتهي الشفافية والنقاء والمثالية ؟!

ما رايكم